الأخذ
بالثأر ظاهرةٌ قديمةٌ ومتجذرةٌ في مجتمع صعيد مصر،وفي الأعراف والعادات
والتقاليد التي تسيّر شؤون الحياة فيه،بل تحوّلت إلى نمط حياةٍ متكاملٍ منذ
مئات السنين، وثقافةٍ اجتماعيةٍ لا يجوز التنازلُ عنها بين العديد من
العائلات، "العبد الفقير" يُلقي الضوء على هذه الظاهرة بعد حصول مصالحةٍ
كبرى بين عائلتين قُتل منهما العشرات :إن جريمة الثأر من العادات السيئة
المتأصلة في صعيد مصر، الإقدام على الأخذ بالثأر يكادُ يكون بمثابة عقيدةٍ
راسخة داخل وجدان كل فردٍ من أفراد الأسرة الصعيدية مهما بلغت درجته
العلمية أو الثقافية، ثُلاثية العُرف والعادات والتقاليد هي الدافعة
لاستمرار هذه الجريمة في الصعيد، وهناك مثلٌ شعبيٌ متداول يجسّد مدى اعتناق
هذه العادة السيئة، هذا المثل تقول كلماته: "الثار ولا العار".د. هدى
زكريا (أستاذة في علم الاجتماع السياسي): الثأر نظام اجتماعي قديم لكنه ليس
فرعونياً،ليس مصرياً قديماً، إنما هو وافد إلى الصعيد مع القبائل العربية
المهاجرة التي جاءت بنسقها القِيَمي، وبأخلاقياتها، وكان الثأر جزءاً من
نُظمها التي تضمن نوعاً من الأمان.محمود صلاح (رئيس تحرير جريدة أخبار
الحوادث): وبعد قيام ثورة 23 يوليو كان في اتجاه لمقاومة هذه الجرائم،
والانتباه إليها لأنها كانت بتشكل ظاهرة كبيرة، الدولة بذلت مجهودات كثيرة،
والمؤسسات الدينية والتربوية حاولت إنها تبذل مجهوداً كبيراً، لكن المسألة
في جرائم الثأر مرتبطة بطبيعة أهل الصعيد في مصر، ودي طبيعة خاصة تختلف عن
طبيعة أي شعب ولكن بتختلف حتى عن طبيعة بقية الشعب المصري.: "العبد
الفقير"التطوّر الذي شهده المجتمع الصعيدي في مختلف المجالات الحياتية وعلى
مدى السنوات والعهود المتتابعة لم يمنع ذلك المجتمع من اعتناق فكرة الأخذ
بالثأر كأسلوب حياة، فلا زال الأفراد ينظرون إلى الأخذ بالثأر على أنه
الضمانة الرئيسية لجلب الحقوق أو صونها.اللواء سعيد البلتاجي (محافظ سوهاج
)ما ننساش أن التركيبة في محافظات الصعيد مصر بالذات تركيبة مبنية على
العِرقية، يعني التعصّب اللّي في جينات التعصّب موجودة فيهم."العبد الفقير"
السيطرةُ المتصاعدةُ للأجهزة الحكومية على مُجريات الأمور في الصعيد
وقيامها بتوفير المرافق الأساسية وتيسير الخدمات الاجتماعية، والتعليمية،
والثقافية، والان تقوم اجهزة الامن بتكثيف مجهوداتها للحد من هذه
الظاهرة،وبالعلم ان فقد تطوّرت أساليبُ جريمة الأخذ بالثأر وبدأت تتخذُ
أنماطاً غير مألوفة.محمود صلاح (رئيس تحرير جريدة أخبار الحوادث): فيه
جرائم ثأر متهم فيها طفل عنده 11 سنة، ويحمل مدفع رشاشاً آلياً ويقوم
بالثأر من أجل والده القتيل. هدى زكريا (أستاذة في علم الاجتماع السياسي):
زي ما بيحصل للأنظمة كلها أنظمة المجتمع، تغيّرات حصل تغيّرات أيضاً في
نظام الثأر نفسه، يعني إيه؟ لم تعد العائلة تكتفي بفكرة: أن من قتل يُقتل،
مثلاً العينُ بالعين، والسن بالسن، لأ ده بقا مثلاً العيلة ديه قتلت شخصاً
في غاية الأهمية من هذه العائلة،):لأ يبقى مش حيكفينا فيه 40 شخص، فيبقى
هنا القتل بدأ يتم بشكل عبثي، وبشكل يُهدر طاقات البشر، ويحطّم آمال
الأفراد، إذا كان بينتظر ثار وهو بيعلم ذلك وهو طفل، فلماذا يعني يكون له
طموح؟ ولاّ يتعلّم؟ ولاّ كيف ينجو من هذه الدائرة؟"العبد الفقير": المرأةُ
هنا في الصعيد، وبخلاف الاعتقاد السائد ليست بعيدةً عما يدور في المجتمع،
فهي وبحسب المصادر الأمنية المحرّكة والدافعةُ لارتكاب المزيد من جرائم
الثأر، وهذا ما تسعى الأجهزة المعنية إلى تلافيه بمحاولة سدّ الفجوة بين
تعليم الذكور والإناث. بحسب المصادر الأمنية أيضاً، فإن باقي عناصر الأسرة
الأخرى تُسهم بشكل فاعل في إشعال نيران الكثير من جرائم الثأر، ولكن تبقى
المرأةُ هي العنصر الأكثر تأثيراً في التحريض على ارتكاب الكثير من هذه
الجرائم.محمود صلاح (رئيس تحرير جريدة أخبار الحوادث): أحياناً كان بيحدث
في بعض الجرائم أن الأم تخلّي الطبق الأكل الخاص بالأب اللّي يُقتل في
جريمة ثأر تخليه فاضي وتحطّه مع كل وجبة، وتشاور لأولادها وهم بياكلوا تقول
لهم: ده طبق أبوكم حيفضل فاضي لغاية ما تاخذوا الثار بيه."العبد الفقير":
يُشار إلى أن الحادث الذي شهدته قرية بيت علاّم التابعة لمركز جرجا محافظة
سوهاج الذي وقع في شهر أغسطس عام 2002 هو الحادث الأكبر في تاريخ جرائم
الثأر في مصر من حيث عدد الضحايا.اللواء سعيد البلتاجي (محافظ سوهاج)
مشاجرة على لعب الأطفال، أطفال تشاجروا حصلت المشاجرة وتوالية الخصومة
اللّي بدأت بسبب لعب الأطفال إلى أن وصلنا إلى 23 قتيلاً.د. هدى زكريا
(أستاذة في علم الاجتماع السياسي): يؤلمني جداً ضعف إمكانيات الدولة، وضعف
سيطرة رجل البوليس، رجل البوليس هناك يعني لا حول له ولا قوة، "في هذا
الوقت" في ظل هذه التعقيدات العالية من نظام عائلي إلى نظام جغرافي، إلى
إمكانيات ضعيفة, ولذلك الأمر محتاج يعني إيه؟ هبّةٌ حقيقية تتكاتف فيها بقا
جهود الدولة مع جهود المجتمع نفسه.العبد الفقير" المُحاكمة القضائية التي
أُجريت في أعقاب هذا الحادث انتهت بالحكم على ستة من المتهمين بالإعدام،
وهو ما هيأ الفرصة لنجاح جهودٍ قام بها وسطاء عديدون بدعمٍ من الأجهزة
المحلية تلافياً لاشتعال نيران مسلسل جرائم ثأر بين العائلتين، وتم توقيع
اتفاق تصالحٍ بينهما ألزم أفراد أُسر القتلة بدفع ديةٍ مقدارها 120 ألف
جنيه مصري لكلّ أسرةٍ من أُسر الضحايا الذين قرروا العفو.فضيلة الدكتور
محمد سيد طنطاوي (رحمه الله شيخ جامع الأزهر): هذه هي الرجولة، وهذا هو
الشرف، وهذه هي الفطرةُ النقية التي تكظمُ الغيظ.. تكظم الغيظ، وتمدّ يد
السلام والمحبة والإخاء، لأن هذه المحبة وهذا الصُّلح يؤدي إلى زيادة نعمة
الأمان، ونعمة الرخاء، ونعمة الإخاء."العبد الفقير" اتفاقات الصُّلح في
المنازعات الثأرية في صعيد مصر يراها البعض كفيلةً بإطفاء نيران الانتقام
ونسف الدماء، إلا أن البعض الآخر يشكك في فعاليتها وخاصةً على المدى الزمني
الطويل، ومن هنا فإنه ليس من المبالغة القول: بأن العلاج المانع لخطر
جرائم الثأر لم يتوفر بعد.