إن ظاهرة الثأر من أبشع الجرائم وأشنعها، ومن أسوأ الظواهر وأخطرها، إذا
تفشَّت في مجتمع أو انتشرت في بيئة أوردت أهلها موارد الهلاك، إنها تفتح
أبواب الشر، وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهي
وظاهرة الثأر من العادات السيئة، ومن بقايا الجاهلية التي كانت منتشرة في
الناس قبل الإسلام، فلما أشرق الإسلام بتعاليمه السمحة، قضى على هذه
الظاهرة وشرع القصاص، حيث يطبق بالعدل، ويقوم به ولي الأمر، وليس آحاد
الناس حتى لا تكون الحياة فوضى
ولابد من التعرف إلى أسباب ظاهرة الثأر، لإنهائها ومنعها وعدم تكرارها:
ـ فمن أسباب هذه الظاهرة:
<ضعف الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره
وشرِّه، ولا شك أن ضعف الإيمان يكون بسبب ضعف الأعمال الصالحة وقلتها، وأن
قوة الإيمان وزيادته تكون بزيادة الطاعات والقرب من الله سبحانه وتعالى،
لأن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بزيادة الأعمال الصالحة وينقص بنقصها، فمن
سمات المؤمنين الكاملين ما ذكره الله تعالى في قوله في وصف الكاملين في
إيمانهم•
(إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر اللهُ وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته
زداتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون• الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم
ينفقون• أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)
الأنفال: 2 ـ 4•
•
ـ ومن أسباب ظاهرة
<الثأر>: رواسب الحقد والضغائن وحب التشفِّي والانتقام من الآخر،
والتباغض والتقاطع والتدابر، وقد نهى الإسلام عن هذه الرذائل التي تشعل نار
البغضاء والانتقام، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
<لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله
إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث> رواه البخاري ومسلم•
إن الشحْناء التي تنْدلع في نفوس بعض الناس هي التي تؤجّج نار الثأر عند
بعض الناس، ولذا كان الوعيد الشديد لأهل الشحناء، عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: <تفتح أبواب الجنة يوم
الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت
بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال أَنْظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى
يصطلحا> رواه مسلم، ومعنى <أنظروا> أمهلوا
ـ ومن أسباب <ظاهرة الثأر>
: التَّحريش بين النفوس، والإفساد وتغيير القلوب عندما يستجيب أصحابها
لوساوس الشيطان عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: <إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في
التحريش بينهم> رواه مسلم،
، فإن كان أخوه قد أساء إليه في شيء يسير يكيل له الصاع صاعين، ويثأر للماضي، ويسلك سبيل التشفِّي والظلم والعدوان
نصيحه:
إنني أدعو الذين تحدثهم أنفسهم الأمَّارة بالسوء إلى البعد عن ظاهرة الثأر،
أدعوهم إلى أن يتوبوا إلى الله تعالى حتى لا يموتوا على شعبة من شعب
النفاق وضعف الإيمان لأن ظاهرة الثأر تخرج صاحبها من حظيرة الإيمان، وتلعب
برأسه وساوس الشيطان
ولننظر إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الحسنة ما انتقم لنفسه
قط، عن عائشة رضي الله عنها قالت: <ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان
أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط
إلا أن تُنْتَهك حرمة الله فينتقم لله تعالى> رواه البخاري ومسلم•