أضيف بتاريخ: 2011/03/22
أعترف بأن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى. ورغم أننى لم أستبعد تصويت الأغلبية بـ«نعم»، فإننى لم أتوقع أن تكون نسبتها مرتفعة إلى هذه الدرجة. وللتعرف على الدلالة الحقيقية لهذه النتيجة المثيرة للتأمل، علينا أن نتفق ابتداء على مسألة مهمة وهى أنها لا تعكس ثقل تيار سياسى أو أيديولوجى بعينه، وأن الذين صوتوا بـ«نعم» فى الاستفتاء ينتمون إلى تيارات كثيرة ومتباينة يمكن، فى تقديرى، تصنيفها إلى ثلاثة:
التيار الأول: يمثل الإسلام السياسى بكل منابعه وروافده. فالتصريحات والإعلانات الصادرة عن جميع المنتسبين إلى هذا التيار، على اختلاف منابعه وروافده، دعت للتصويت بـ«نعم». لذا صوتت جماعة الإخوان إلى جانب حزب الوسط، والجماعات والتنظيمات الجهادية إلى جانب الجماعات والتنظيمات السلفية والصوفية، وصوت أصحاب الأفكار المتطرفة والراديكالية إلى جانب أصحاب الأفكار المعتدلة والليبرالية، وجميعهم قالوا «نعم» للتعديلات. ولأنه يندر أن تتفق جميع روافد التيار الإسلامى على شىء، فقد كان من الطبيعى أن يلفت تكتلها للتصويت بـ«نعم» أنظار المراقبين، وأن يبحثوا عن تفسير منطقى لهذا التكتل.
غير أن التصويت بـ«نعم» لم يكن هو القاسم المشترك الوحيد بين أنصار التيار الإسلامى، على اختلاف منابعه وروافده، وإنما جمعهم قاسم مشترك آخر وهو الاستخدام المكثف لشعارات دينية تحريضية، بتصويرهم للتصويت بـ«نعم» وكأنه «واجب شرعى» و«انتصار للإسلام والمسلمين» أو لشعارات دينية تخويفية، بتصوير التصويت بـ«لا» وكأنه مطالبة بحذف المادة الثانية من الدستور. وقد حمل هذا التوحد فى الهدف وفى أساليب الدعاية بين أنصار هذا التيار نذر خطر وسمات تعنت بأكثر مما حمل من تطمينات أو من علامات النضج السياسى.
التيار الثانى: الذى يمكن أن نطلق عليه التيار الرسمى، يتكون من خليط من بقايا النظام القديم أو أصحاب المصلحة فى استمراره، ومن المرتبطين بشكل أو بآخر بأجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية. فمن الواضح أنه لم يعد أمام بقايا النظام القديم والمستفيدين منه من خيار آخر سوى التصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية المطروحة، سواء كان هدفهم الأساسى هو استعادة مواقع الثروة والسلطة والنفوذ التى خسروها، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من هذه المواقع باعتباره الخيار الأقل كلفة من وجهة نظرهم. ولأن القائمين على شؤون الدولة منحازون بطبيعتهم إلى نهج الإصلاح، وليس إلى نهج التغيير الجذرى أو الراديكالى، فمن الطبيعى أن يكونوا أكثر ميلا للتصويت بـ«نعم» فى هذا الاستفتاء.
التيار الثالث: والذى يمكن أن نطلق عليه «تيار الاستقرار» يمثله قطاع من «أغلبية صامتة» كانت قد قررت النزول إلى الشارع والمشاركة فى الثورة، لكنها بدأت تخشى الآن من عواقب غياب الأمن وتصاعد الاحتجاجات والمطالب الفئوية، وتخشى من تأثيراتها السلبية المحتملة على الأوضاع الاقتصادية وعلى مستوى المعيشة والخدمات فى تلك المرحلة الانتقالية. ولأن المنتمين لهذه الشريحة من المواطنين كانوا أكثر حساسية تجاه وجهة النظر التى صورت الاعتراض على التعديلات وكأنه دعوة للفوضى أو سلوك لطريق قد يفضى إلى المجهول، فقد كان من المتوقع أن يصوت هؤلاء بـ«نعم» على التعديلات الدستورية المطروحة تأكيدا على حسن النية وحرصهم على الاستقرار وعلى السير فى الدروب الآمنة!
وأيا كان الأمر فلن يكون من الممكن تقديم قراءة دقيقة ومتكاملة للنتائج النهائية للاستفتاء، والتعرف على دلالات هذه النتائج وتأثيراتها المحتملة على فرص نجاح أو فشل المحاولات الرامية إلى تأسيس نظام ديمقراطى حقيقى فى مصر قبل التعرف على الخريطة الكاملة والتفصيلية لهذه النتائج. غير أن أخطر ما قد يثير القلق هو أن يحاول البعض تقديم قراءة مغلوطة لنتائج هذا الاستفتاء، بالادعاء بأن الأقباط هم من صوتوا بـ«لا» بينما صوت المسلمون بـ«نعم»، أو بأن معسكر الثورة هو من صوت بـ«نعم» بينما صوت معسكر الثورة المضادة بـ«لا»، أو بأن المعنيين باستقرار مصر هم من صوتوا بـ«نعم» بينما صوت الداعون إلى الثورة الدائمة بـ«لا». فتلك كلها صور نمطية تبدو أبعد ما تكون عن الحقيقة.