ومما قيل عن الصمت
عندما سب رجل أحد العلماء
قالوا خصمت وقد سكت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح
أما ترى الأسد تُخْشَى وهي صامتةً والكلب لا يخشى لعمري وهو نباحُ
إلي المقال
أبلغ تعبير وأقوى إحساس ذاك هو الصمت، يغنى فى كثير من الأحوال عن جبال من
الكلمات، حتى شرعا استعيض عن الكلام فيما يخص أهم قرار فى حياة أى أنثى بكر
بصمتها ليعبر كأفضل تعبير عن قبولها بالزواج ممن يعرضه عليها أبوها، الصمت
من أجل وأعظم الأساليب التعبيرية.
والصمت أى السكون وعدم التلفظ قيل فيه الكثير ولعل أبلغ ما قيل فيه إذا كان
الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، لأن الصمت كالصدق منجى فى كثير من الأحوال
وكم من أناس عظماء سقطت هيبتهم بمجرد أن نطقت ألسنتهم، والصمت نعمة كبيرة
أحيانا وليس فى كل وقت، المهم أن يدرك المرء متى يصمت ومتى يتحدث، وقد قيل
فيما مضى سكت دهرا ونطق كفرا، حين يصمت الشخص فى موضع الكلام ويتحدث بعد
طول صمت بالفحش.
والصمت فى كثير من الأحيان يغنى عن البوح حين يتعلق الأمر بالمشاعر فصمت
اللسان يعطى الفرصة للعين كى تبوح بما هو أرقى من أى لفظ قد يتشكل ويخرج عن
طرق الشفاه، بل إن الصمت يعطى لكافة الأحاسيس الأخرى الفرصة كى تعبر بطرق
أكثر طلاقة عن حالة الإنسان، وهو يهيئ المتلقى كى يصفى ذائقته ومشاعره كى
يتفاعل ببهاء مع كل همسة أو لمسة اأو حتى نظرة.
والصمت فى كل الأحوال تدبر وفكر، استعداد وتماس مع الصدق، فآفة اللسان فى
كثرة الكلام والسقوط فى الزلل ومقاربة الخطأ والسقوط فى حبائل الكذب، أما
حين نعانق الصمت فإننا نتلمس طريق الصدق ونحن نفكر فى عواقب البوح إذ مسه
خبث الكذب فينجينا الصمت من الوقوع فى براثن الهاوية.
والصمت إذا تعطر بفكر وتدبر وازدان بأناة وحلم وحفته المشاعر المرهفة
والصادقة من جوانبه صار صمتا نورانيا يحلق بصاحبه فى فضاءات الألق ويمنحه
فضيلة التفرد ويضفى عليه مهابة ترفعه فى أعين أعدائه قبل أصدقائه.