القبح و الجمال ليسا إلا صورة من صنع الإله عز و جل ، و كلتا هاتين
الصورتين إنما جائتا لمعنى من معان الحياة ، و كلتاهما أيضا غشاء زائل لا
ينتطح في هذا عنزتان ، بيد أن من شقاء الإنسان و طبعه أنه سخط القبح و عبد
الجمال ، فأحالهما فساد على فساد .
سأتكلم ها هنا عن قبح و جمال المرأة باعتباره حديثا متشعبا عند معظم الناس .
قد يقول قائل : أفترى تلك المرأة التي مزجت جمالا في جمال كأنها قمر بصورة
بشر ، أتراها مثل المرأة الدميمة ذات جلدة سفعاء تجول فيها رهبة الظلمة ؟!
بالطبع لا ، و لكن من هذا السؤال سأبدأ حديثي عن القبح و الجمال .
كثير من الناس يظن أن من جلدة وجه المرأة الجميلة يجيء الشعر و البلاغة ، و
الحب و الجنون ، و من وجه القبيحة يجيء الهم و النكد و السَخط … مع العلم
أنه قد تكون المرأة الدميمة مهيأة لمعالي الأخلاق و الجميلة مهيأة لسفاسفها
، إلا أن الإنسان هذا هو ، يطغيه الجمال و يستفزه ، و قد يخرجه أحيانا عن
طوقه .
ثم هب لو أن الله خلق جميع نساء الكون دميمات ، هل كنت ستميز بين القبيحة و
الجميلة ؟ أم أنهن في نظرك كلهن جميلات ، باعتبار أنك ألفت تلك الصورة و
أحببتها .
أختم حديثي بهذه المقولة الرائعة للأديب مصطفى صادق الرافعي يقول فيها :
لم يبق في البدر مع الحكمة العليا شيء يسمى ” الجمال ” ، و لا المرأة
الحسناء يكون فيها شيء أجمل من القمر ؛ فهي مثله ليس فيها مع تلك الحكمة
شيء اسمه الجمال ؛ أفيمكن أن يكون مع الحكمة نفسها في وجه القبيحة شيء يسمى
” القبح ” ؟
القمر طالع مشرق كما كان
و الجميلة الحسناء لا تزال فاتنة
و الدميمة طاهرة كما هي
لم ينقص الكون من ثلاثتها شيء
و لكن أين أعين الرجل الكامل ؟